كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تنبيه:
قال الرازي: الاستبرق معرب وهو الديباج الثخين؛ أي: وهذا ومثله لا يخرج القرآن عن كونه عربيًا لأن العربي ما نطقت به العرب وضعًا واستعمالًا من لغة غيرها، وذلك كله سهل عليهم وبه يحصل الإعجاز بخلاف ما لم يستعملوه من كلام العجم لصعوبته عليهم، وذكر الاتكاء لأنه حال الصحيح الفارغ القلب المتنعم البدن بخلاف المريض والمهموم.
{وجنى الجنتين} أي: ثمرها {دان} أي: قريب؛ قال ابن عباس: تدنو الشجرة حتى يجنيها وليّ الله تعالى إن شاء قائمًا، وإن شاء قاعدًا وإن شاء مضطجعًا، وقال قتادة: لا يردّ يده بُعْد ولا شوك.
قال الرازي: جنة الآخرة مخالفة لجنة الدنيا من ثلاثة أوجه: أحدها: أنّ الثمرة على رءوس الشجر في الدنيا بعيدة على الإنسان المتكىء وفي الجنة هو متكىء والثمرة تتدلى إليه؛ وثانيها: أنّ الإنسان في الدنيا يسعى إلى الثمرة ويتحرك إليها وفي الآخرة هي تدنو إليهم وتدور عليهم؛ وثالثها أنّ الإنسان في الدنيا إذا قرب من ثمرة شجرة بعد عن غيرها وثمار الجنة كلها تدنوا إليهم في وقت واحد ومكان واحد.
{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} أي: المربي لكما الذي يقدر على كلّ ما يريده {تكذبان} أمن قدرته على عطف الأغصان وتقريب الثمار أم من غيرها؟.
ولما كان ما ذكر لا تتم نعمته إلا بالنسوان الحسان قال تعالى: {فيهنّ} أي الجنان التي علم مما مضى أنّ لكلّ فرد من الخائفين منها جنتين، فصح الجمع؛ وقال الزمخشري فيهنّ في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجنى، أو في الجنتين لاشتمالهما على أماكن وقصور ومجالس ا. ه. قال أبو حيان: وفيه أي: الأوّل بعد لأن الاستعمال أن يقال على الفراش كذا، ولا يقال في الفراش كذا إلا بتكلف ولذلك جمع الزمخشري مع الفرش غيرها حتى صح له أن يقول ذلك؛ وقيل يعود على الجنتين لأن أقل الجمع اثنان وقال الفراء كل موضع في الجنة جنة فلذلك صح أن يقال فيهنّ {قاصرات الطرف} أي: الأعين على أزواجهنّ المتكئين من الأنس والجنّ.
قال الرازي وقوله قاصرات الطرف أي نساء وأزواج فحذف الموصوف لنكتة وهي أنه تعالى لم يذكرهنّ باسم الجنس وهو النساء بل بالصفات، فقال تعالى: {حور عين} [الواقعة].
{كواعب أترابا} [النبأ].
{قاصرات الطرف} {حور مقصورات} [الرحمن].
ولم يقل: نساء عربا ولا نساء قاصرات لوجهين: أما على عادة العظماء كبنات الملوك إنما يذكرن بأوصافهنّ؛ وإما لأنهنّ لما كملن كأنهنّ خرجن عن جنسهنّ.
وقوله تعالى: {قاصرات الطرف} يدلّ على عفتهنّ وعلى حسن المؤمنين في أعينهنّ فيحببن أزواجهنّ حبًا شديد يشغلهنّ عن النظر إلى غيرهم. قال ابن زيد: تقول لزوجها: وعزة ربي ما أرى في الجنة أحسن منك فالحمد الله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجك، ويدلّ أيضًا على الحياء لأن الطرف حركة الجفن والحيية لا تحرّك جفنها ولا ترفع رأسها.
تنبيه:
انظر إلى حسن هذا الترتيب فإنه تعالى بين أولًا: المسكن وهو الجنة، ثم بين ما يتنزه به وهو البستان والأعين الجارية، ثم ذكر المأكول فقال تعالى: {فيهما من كل فاكهة} ثم ذكر موضع الراحة بعد الأكل وهو الفراش، ثم ذكر ما يكون في الفراش معه.
ولما كان الاختصاص بالشيء من أعظم الملذذات لاسيما المرأة قال تعالى: {لم يطمثهنّ} أي: لم يجامعهنّ ويتسلط عليهنّ؛ يقال طمثت المرأة كضرب وفرح حاضت، وطمثها الرجل افتضها، وأيضًا جامعها {إنس قبلهم} أي: المتكئين {ولا جان} فكأنه قال: هنّ أبكار لم يخالطهنّ أحد فإنّ هذا جمع كلّ من يمكن منه جماع، وفي ذلك دليل على أنّ الجني يغشى كما يغشى الإنسي ويدخل الجنة ويكون لهم فيها جنتان، قال ضمرة: للمؤمنين منهم أزواج من الحور فالإنسيات للإنس والجنيات للجنّ، وقال مقاتل لأنهنّ خلقن في الجنة فعلى قوله يكونون من حور الجنة؛ وقال الشعبي: من نساء الدنيا لم يمسسهن منذ أنشئن خلق وهو قول الكلبي. أي: لم يجامعهنّ في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان؛ وأمّا في الدنيا فقال مجاهد: إذا جامع الرجل ولم يسمّ ينطوي الجني على إحليله فيجامع معه. وقال القرطبي: لم يطمثهن لم يصبهنّ بالجماع قبل أزواجهنّ أحد، وهذا شامل لنساء الجنة ولنساء الدنيا بعد إنشائهنّ خلقًا جديدًا، وقرأ الكسائي: {يطمثهنّ} بضم الميم في الموضعين بخلاف عنه وتخييرًا في أحدهما، وهما لغتان: يقال طمثها يطمثها ويطمثها إذا جامعها.
{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} المدبر مصالحكما {تكذبان} أي: بأي نوع من أنواع هذا الإحسان أم غيره.
{كأنهنّ الياقوت} أي: صفاء {والمرجان} أي: اللؤلؤ بياضًا، والياقوت جوهر نفيس يقال إنّ النار لا تؤثر فيه، والمرجان صغار اللؤلؤ وأشدّه بياضًا؛ وقيل: شبه لونهنّ ببياض اللؤلؤ مع حمرة الياقوت لأنّ أحسن الألوان البياض المشرب بحمرة. قال ابن الخازن: والأصح أنه شبههن بالياقوت لصفائه فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكًا ثم استضأته لرأيت السلك من ظاهره لصفائه. قال عمرو بن ميمون: إنّ المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من وراء الحلل كما يرى الشراب الأحمر من الزجاجة البيضاء: يدل على صحة ذلك ما روي عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها»، وذلك لأنّ الله تعالى يقول: {كأنهنّ الياقوت والمرجان}، فأمّا الياقوت: فإنه حجر لو أدخلت فيها سلكًا ثم استضأته لرأيته من ورائه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر»؛ زاد في رواية «ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دريّ في السماء إضاءة لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوّطون؛ آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوّة» أي: بخورهم العود ورشحهم المسك ولكلّ واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب رجل واحد.
{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} أي: المالك الملك المربي ببدائع التربية {تكذبان} أبما جعله مثالًا لما ذكر من وصفهنّ أم بغيره؟.
{هل جزاء الإحسان} أي: بالطاعة من الإنس والجن وغيرهما {إلا الإحسان} أي: بالثواب؛ وقال ابن عباس: هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة؛ وعن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} ثم قال: «أتدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول: هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة».
ورى الواحدي بغير سند عن ابن عمر وابن عباس: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية يقول الله عز وجل هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدي إلا أن أسكنه جنتي وحظيرة قدسي برحمتي».
{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} الكريم الرحيم الجامع لأوصاف الكمال {تكذبان} أبشيء من هذه النعم الجزيلة أم بغيرها؟.
{ومن دونهما} أي: من أدنى مكان ورتبة تحت جنتي هؤلاء المحسنين المقربين {جنتان} أي: لكل واحد ممن دون هؤلاء المحسنين من الخائفين، وهم أصحاب اليمين؛ وقال أبو موسى الأشعري: جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من فضة للتابعين؛ وقال ابن جريج هي أربع جنان جنتان للمقرّبين السابقين فيهما من كل فاكهة زوجان؛ وجنتان: لأصحاب اليمين والتابعين فيهما فاكهة ونخل ورمان. وقال الكسائي ومن دونهما أي أمامهما وقبلهما يدلّ عليه قول الضحاك: الجنتان الأوليان من ذهب وفضة والأخريان من ياقوت؛ وعلى هذا فهما أفضل من الأوليين؛ وإلى هذا القول ذهب أبو عبد الله الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. وقال: ومعنى {ومن دونهما جنتان} أي: دون هذا إلى العرش أي: أقرب وأدنى إلى العرش. وقال مقاتل: الجنتان الأوليان جنة عدن، وجنة النعيم، والأخريان الفردوس، وجنة المأوى.
{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} أي: المحسن بنعمه لجميع خلقه {تكذبان} أبشيء مما تفضل به عليكم أم بغيره؟.
ثم وصف تلك الجنتين بقوله تعالى: {مدهامّتان} قال ابن عباس رضي الله عنهما: خضراوان. وقال مجاهد: سوداوان لأنّ الخضرة إذا اشتدت تضرب إلى السواد، وهذا مشاهد بالنظر ولذلك قالوا: سواد العراق لكثرة شجره وزرعه، والأرض إذا اخضرّت غاية الخضرة تضرب إلى سواد؛ قال الرازي: والتحقيق فيه أنّ ابتداء الألوان هو البياض وانتهاءها هو السواد فإن الأبيض يقبل كل لون والأسود لا يقبل شيئًا من الألوان.
{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} أي: المحسن إليكما بالرزق وغيره {تكذبان} أبشيء من تلك النعم أم بغيرها.
ثم وصف تلك الجنتين أيضًا بقوله تعالى: {فيهما} أي: في جنتي كل شخص منهم {عينان نضاختان} قال ابن عباس: أي: فوّارتان بالماء، والنضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضح بالحاء المهملة لأنّ النضح بالمهملة الرشح والرش، وبالمعجمة فورانُ الماء وقال مجاهد: المعنى نضاختان بالخير والبركة، وعن ابن مسعود: تنضخ على أولياء الله تعالى بالمسك والكافور والعنبر في دور أهل الجنة كما ينضخ رش المطر، وقال سعيد بن جبير بأنواع الفواكه والماء.
{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} المربي البليغ الحكمة في التربية {تكذبان} أبتلك النعمة أم بغيرها؟.
ثم وصف الجنتين أيضًا بقوله تعالى: {فيهما فاكهة} وخص أشرفها وأكثرها وجدانًا في الخريف والشتاء، كما في جنان الدنيا التي جعلت مثالًا لهاتين بقوله تعالى: {ونخل ورمان} فإن كلًا منهما فاكهة وأدام، فلهذا خصا تشريفًا وتنبيهًا على ما فيهما من التفكه، وأولهما أعمّ نفعًا، وأعجب خلقًا، ولذا قدمه فعطفهما على الفاكهة من باب ذكر الخاص بعد العامّ تفضيلًا له؛ كقوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة].
وقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة].
وقال بعض العلماء: ليس ذلك من الفاكهة. ولهذا قال أبو حنيفة: إذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل رطبًا أو رمانًا لم يحنث، وخالفه صاحب اهـ. وقال القرطبي: وقيل: إنما كررها لأنّ النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا، لأن النخل عامة قوتهم، والرمان كالثمرات فكان يكثر غرسها عندهم لحاجتهم إليه، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها فإنما ذكر الفاكهة ثم ذكر النخل والرمان لعمومها وكثرتها عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاها من أرض اليمن فأخرجهما من الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها.
وقيل: أفردا بالذكر لأنّ النخل ثمره فاكهة وطعام، والرمان فاكهة ودواء فلم يخلصا للتفكه قال البغوي: وعن ابن عباس قال: نخل الجنة جذوعهما زمرّد أخضر وورقها ذهب أحمر، وسعفها كسوة أهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال، والدلاء أشدّ بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، وألين من الزبد ليس له عجم.
وروي أنّ الرمانة من رمان الجنة ملء جلد البعير المقتب؛ وقيل: إنّ نخل الجنة نضيد، وثمرها كالقلال كلما نزعت عادت مكانها أخرى؛ العنقود منها اثنا عشر ذراعًا.
{فبأي آلاء} أي نعم {ربكما} المحسن إلى الثقلين بجليل التربية {تكذبان} أبتلك النعم أم بغيرها مما أحسن به إليكم؟.
{فيهنّ} أي: الجنان الأربع، أو الجنتين وقصورهما {خيرات حسان} أي: نساء الواحدة خيرة على معنى ذوات خير، وقيل: خيرات بمعنى خيرات فخفف كهين ولين.
روى الحسن عن أمّه عن أم سلمة: قالت: «قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى: {خيرات حسان}؛ قال: خيرات الأخلاق حسان الوجوه». وقال أبو صالح: لأنهنّ عذارى أبكار؛ قال الحكيم الترمذي: فالخيرة ما اختارهنّ الله تعالى فأبدع خلقهنّ باختياره، فاختيار الله تعالى لا يشبهه اختيار الآدميين، فوصفهنّ بالحسن فإذا وصف الله تبارك وتعالى خالق الحسن شيئًا بالحسن فانظر ما هناك وقال الرازي: في باطنهنّ الخير وفي ظاهرهنّ الحسن.